الرجل الذي سقط علي ظهره

مبدع عدد المساهمات : 26 تاريخ التسجيل : 14/03/2009

الرجل الذي سقط علي ظهره

كان الجو قائظا مطيرا و السماء صافية ملبدة بالغيوم و علي الطرف الآخر من النهر ‏طفلة تلهو مع بطتين و قرد واحد ‏
السرعة التي كانت تمرق بها السيارات جعلت بطل قصتنا أكثر حذرا.
عينا من عينيه ‏لا تستطيع أن تترك مشهد تلك الطفلة الشقراء علي الطرف الآخر من النهر .. و ‏العين الأخرى ترقب الطريق في حذر شديد ‏.
لم ينتبه بطل القصة إلي أنه وصل أخر الرصيف الموازي للنهر
نظر أمامه مباشرة,
‏لمح مؤخرة لأنثى تتراقص ..أطال النظر إليها ..
سريعا.. تذكر .. كان ‏يقف هنا ما بيني و بين تلك المؤخرة عامود معدني يعلق عليه مصباح الكيروسين ‏‏..
ابتعدت المؤخرة عن ناظريه..
الدولة لا تبخل علي مواطنيها بالضوء ليلا .. تجند موظفين لإنارة مصباح ‏الكيروسين.
أين ذهب العامود المعدني الكبير ؟
ربما سرقه بعض الأوغاد .. أو ‏الموظفين.. ربما لحقته الخصخصة
نظر مرة أخري أمامه , كادت تدهسه احدي السيارات ..
تراجع إلي ‏الخلف ,
علقت رجله بمسمار كبير بارز من مكان العمود المسروق ..
اختل توازنه , طوح بيديه في جميع الاتجاهات ,
صدم بيده اليمني فرع شجرة ,
اهتزت الشجرة ‏بشدة ,
نظر إلي أعلى
لطم فرع الشجرة صدغه أثناء عودته ..
انفتح فمه رغما عنه ..
‏تذكر انه في حالة سقوط .
عربة يجرها حمارين تتجه نحوه بسرعة مذهلة .
شاهد ‏بوضوح مؤخرة الأنثى تهتز في دلال , أطال النظر إليها
صوت مكبر الصوت من المسجد المجاور ‏للنهر يرتفع بآذان الظهر , ‏
تحرك لسان الرجل داخل فمه المفتوح بالدعاء .
يا رب لا تجعلي أسقط حتى لا ‏يلتوي كاحلي.
يا رب لا تجعلني اسقط حتى لا تنكسر ساقي .
زوجتي لا يعولها ‏غيري ..
تبعثرت حبات التمر من الكيس الذي كان في يده اليسري .
استمر في ‏الدعاء
يا رب لا تجعل سقوطي مؤلما و أجعله بلا إصابات من أجل ذلك الجنين القابع ‏في أحشاء زوجتي.
رجل طيب الصفات مثلي لا يعلم ابن من هو ذلك الساكن أحشاء ‏زوجته يدعوك أن تنجيه من أجل إعالتهما, فتقبل يا رب الدعاء.
ما زال فمه ‏مفتوحا ..
زاد توازنه اختلالا ..
الحمارين و العربة يتجهان نحوه بسرعة..
الشجرة ‏التي ضربتها يده تهتز بعنف ..
وقع علي ظهره ..
سقطت من الشجرة تفاحة ..
دخلت التفاحة ‏فمه المفتوح ..
مرقت الكارو بجواره ..
تحسس قدمه ..
لا تؤلمه قدمه و لا ساقه ..
انتفض ‏واقفا ضاحكا يمضغ التفاحة ..‏
صرخ لقد نجوت
شق قميصه ..
أخرج من صدره صنما من ذهب يبرق..
وضعه ناحية الشمس ..
سجد أمام التمثال يصلي شاكرا ربه ‏علي نجاته

مبدع عدد المساهمات : 84 تاريخ التسجيل : 21/02/2009

أستاذ محمد
القصّة كثيفة الدلالات ، والبطل شأنه كشأن البعض الذين يشرّقون ويغرّبون بأفعالهم ( كان يطيل النظر للأنثى المتراقصة أمامه )وعند وقوع المحنة يضرعون إلى الله ويلهجون بالدعاء. استوقفني مشهد السقوط ، وأضحكتني بعض العبارات ( رجل طيب الصفات مثلي لا يعلم ابن من هو الساكن أحشاء زوجته ) ( تذكّر أنه في حالة سقوط) ، واستغرقني ما جاء في نهاية القصة من سجود حيال التمثال .
يبدو بأنه في كل مكان هناك من يتربّص لعواميد النور !!!!!
وكان الله في العون أخي
دام قلمك الذي يتوغّل في الإبداع

مبدع عدد المساهمات : 26 تاريخ التسجيل : 14/03/2009

في هذه القصة قصدت أن أضع مرآة أمام نظر القارئ

بطل القصة إنسان .. قد يكون مسلم أو غير مسلم .. لم يحدد الكاتب عقيدة بطل القصة‏

إنسان يحمل كم من التناقضات

أنسان نراه كثيرا فهو نمط منتشر بل قد يكون داخل البعض منا ..‏

‏ هو إنسان غير صالح.. لا يغض بصره .. ‏

‏ له تأملاته .‏

في احدي جولات التأمل ( البحث عن أسباب اختفاء العمود المعدني ) و رغم حذره يظن أنه ‏وقع في ورطة أو كارثة .. ‏

تفكيره اللحظي المتعجل جعله يظن أنه هالك ..‏

‏ فطرته دعته إلي التوجه إلي فاطر الخلق و الخليقة فبدأ يدعو .. ‏

و لأنه سيئ الخلق ( مثل الكثيرين ) فقد ظن أنه يستطيع تملق ربه و كان الأقرب إلي ذهنه حينها ليتشفع به هي ‏زوجته و جنينها

‏ بسرعة تعود إليه شخصيته المتشككة المتناقضة ‏ هو لا يخجل من الإعلان لربه انه يشك في نسب ما تحمله زوجته و مع ذلك سوف يتشفع بها و بجنينه في دعائه

نستنج انه يشك في سلوك ‏زوجته و أمانتها كل ذلك في لحظة مصارحة مع ربه .. بل ربما هي مصارحة نفسه رجل ‏سيئ الخلق .. يحمل قيم عبثية‏

و ربما لم يكن ما قراناه دعاءا بقدر ما كان محادثة و مكاشفة مع النفس ‏

الألوان الباهتة و الخطوط المتشابكة في خلفية القصة تمهيد لنهايتها و توضيح للفكرة التي ‏يبتغيها الكاتب
عندما زال الخطر عادت نفسه الأمارة بالسوء تأمره ليعبد صنمه.. ‏

ما أكثر الأصنام التي يعبدها الناس الآن .. فهذا صنمه المال و تلك تعبد جسدها و هذا عبدا لمزاجه و ذاك صنمه المعبود هو سيده الذي منحه المركز و النفوذ و غيره ‏الكثير من الأصنام .. ‏

الخاتمة ‏

هذا النمط من البشر ينسب ما يظنه معجزة إلي ما يظنه آلهة .. فيسجد و يصلي و يتعبد في ‏محراب صنمه شاكرا إياه معجزة نجاته

مبدع عدد المساهمات : 84 تاريخ التسجيل : 21/02/2009

تعقيب قيّم بحقّ
لن يفوتني طبعاً أن أشكركم على الإسهاب المدهش والمفيد
دمتم

موضوع: أسلوب رائع الإثنين أغسطس 17, 2009 8:57 am

أخي العزيز ..........
اسلوك رائع , و خيالك عميق متشابك الخطوط , لقد زاد من فهمي لقصتك تعليقك عليها و توضيحك لأبعاد شخصية البطل الوحيد

» الرجل القميء
» الكلب الذي اشتريناه
» قصه المليونير الذي اصبح يكنس الحرم
» "الثعلب الذي خرج عن صمته البهيمي"، قصة قصيرة لعبد الحميد سحبان
» "الثعلب الذي خرج عن صمته البهيمي"، إصدار جديد لعبد الحميد سحبان