اتهم ثعلب بكتابة رسالة مطولة بدم دجاجة دون أن يلتهمها، حدث لم يستطع حكماء هذا الزمان فك رموزه.
سأله جماعة من ذوي الشوارب القوقازية، بعد أن أجلسوه في قفص الشبهة:
-" لماذا لم تلتهم الدجاجة يا سليل الذئاب وشبيه الكلاب؟
رد الثعلب معتدا بنفسه:
+" لست ذئبا البته، أيها السادة، أنا مضرب على اللحم، ولا أشبه الكلاب في شيء لأنني لست من فصيلة "جَوِّعْ كَلْبَكَ يَتْبَعْكْ"، أنا بالعكس إن جُوِّعْتُ ظُلْمًا لن أتوانى لحظة في العض دفاعا عن كرامتي لأنني لا أرغب بتاتا أن تداس "
- "أنت ثائر على أصلك وفصلك"
+ " أنا بوذي"
-" ومتى حدث هذا؟
-+" منذ توفي غاندي"
- " وما السر في ذلك؟"
+ " أخاف ما أخافه جنون البقر"
غير أحدهم مجرى التحقيق بأن سأل الثعلب من جديد في موضوع الدجاجة الضحية:
- " لماذا سمحت لنفسك بجمع دم الضحية في هذه القارورة؟"
+ "لقد طلبت مني أن أدفع دمها لتحليله في المختبر الدولي الموثوق بنتائجه"
- " لماذا لم تقم هي بنفسها بذلك؟"
+ "لم تكن ترغب أن يكتشف أمرها"
- " ولماذا لم تكتف بأخذ عينة من دمها فقط، بدلا من أن تجففها بالكامل من رحيق الحياة ؟"
+ " كانت ترغب في تحليل دمها بكامله قطرة قطرة"
- " أي تحليل هذا الذي كانت ترغب القيام به ؟"
+ " كانت تشك في حملها لفيروس أنفلوزا الدجاج، ولم تكن ترغب كذلك في أن تكون السبب في انتشار هذا الداء الفتاك بالمدينة البيضاء التي كانت تحبها حبا يفوق التصور"
- " ساعدتًها على الانتحار إذن، أيها الثعلب الماكر !
+ " لقد كانت وصيتها الأخيرة، ولم أقم إلا بتنفيذ رغبتها بكل صدق وأمانة"
-" ولماذا لم تقم بدفع الدم إلى المختبر كما طلبت منك"
+ " لن ينفعها ذلك، بعد أن صارت جثة هامدة!
-" ولماذا لم تنبهها إلى ذلك؟
+ " التدخل أحيانا يكون تطفلا مرفوضا"
- " لقد حصلت بمكرك ودهائك المعهودين على قارورة دم، ولم تتورع في نزع ريشة من جسد الضحية لتكتب بها رسالتك الغرامية التافهة؟
+ " إنها ليست رسالة تافهة كما تعتقدون "
- " وتجادل أيها العنيد!"
+ " إنها رسالة مكتوبة بالدم، ومن النادر أن تكتب الرسائل برحيق الحياة. لست الوحيد أيها السادة من كتب بالدم، لقد كتبت الضحية الفرنسية الذائعة الصيت بدمها عبارتها الشهيرة " لقد قتلني عمر"، فكانت شهادة أدانت عمر البريء وبرأت عمر المذنب. أنا بريء أيها الفضلاء مما تعتقدون، كل ما هنالك أنه توفرت لي فرصة نادرة للكتابة بالدم فكتبت، أي ضير في ذلك يا سادة ! يا كرام !"
- " هل انقضى المداد فوق الأرض يا ابن الكلب؟
+ " الدم متوفر بكثرة في العروق، وكثيرا ما يضيع في تفاهات، إنه في الغالب ما يسكب دفاعا على قضايا زائفة مفتعلة "
- " وماذا تقترح علينا أيها الفيلسوف النتن ؟
+ " لماذا لا نكتب مأساتنا بالدم، فلنكتب به يا سادة حتى لا يشهد أحد ضدنا، ما دام الدم هو الشاهد الوحيد في القضية"
- " من أين أتاك الله بهذا العلم؟
- " لا يخيب أبدا من عرف كيف يسبر غور كليلة ودمنة، فحكمة البهائم الخرساء أعمق بكثير من حكمة الدواب الناطقة"
- " وهل ما كتًبْتَه يدخل في باب الحِكًم أيها الظالم الهائم؟
-" لقد كتبت رسالة حب للإنسانية أدعوها فيها أن تنتبه إلى ما تقترفه في حق نفسها من ظلم، الإنسان أخ لأخيه الإنسان لا يختلف عن غيره باللون ولا بالجنس ولا بالدين مادام الجميع أبناء لرحم الأرض التي تمنحهم الهواء والشمس والخيرات بسخاء، كفانا حروبا ومجازر، كفانا مآسي ومصائب ".
حكم على الثعلب الذي خرج عن صمته البهيمي بالسجن المؤبد مدى الحياة في حديقة الحيوان، يتفرج عليه مواطنو المدينة البيضاء كلما حنوا لنداء الغريزة فيهم.