الخلاف كان مذ كان الانسان ،شجرة التفاح شهدت فصولا منه ،وفأس قايين
رسمت خطا دمويا في العلاقات الأخوية ،وأولاد نوح خلطوا الجد بالهزل،
أما أخوة يوسف فقد كانوا قدرا وإرادة خلاف لا ترحم ،ومع فرعون عرفنا
الخلاف في غياهب الفيب ،وكانت تعاليم الله ذات سطوة ومحاولة تجاوز
المحدود الى اللامحدود .
الاختلاف وجه حديث من وجوه الخلاف ،وجه حضاري ،محاولة سلمية لتجاوز
ما لا يمكن تجاوزه .إنه واقع يجاور الوهم والحلم والمستحيل والخطل والخطيئة .
الاختلاف لزوم ما لا يلزم ،ومحبة من لايحب ،نزهة رومانسية في حدائق
غريبة ،فيها أشجار مثمرة وغير مثمرة ،ونبات شوكي وصبار ورمان وتفاح
وتين سكري لذة للآكلين .
الثورات ملأت التاريخ بذكريات دامية وقصص مقلقة وأحداث جهنمية فتكت
بالحجر والبشر ،وهددت الاجتماع البشري بمتاهات وعلل وكآبة ومرارة
وعـناد يعاودنا كل عام . في إحدى الثورات الأوروبية فتك الثائر بالسيد المطاع ،وإن لم يكن مستبدا غاشما . ثم قتل الصديق والأخ والعاقل المنّظر
وما لبث أن استسلم لعسكري متسلط قاد أبناء شعبه الى موت تلو موت تحت
قوس نصر حينا وتحت الهزيمة حينا آخر .