عناء
[ترجّل من السيّارة بهدوءٍ، رفع فوق ظهره حمله الثقيل ومشى بخطى وئيدة .حاول عبثاً أن يجرّ قدميه المتضعضعتين، لكنّه شعر أنّ جبلاً يرزخ فوق كتفيه . وضع حِمله أرضاً ووقف يرتاح قليلاً ، ثمّ عاد ينوء بحِمله من جديدٍ . بعد قليل وجد نفسه أمام المبنى الشاهق . عليه أن يصعد الآن خمسة طوابق رافعاً فوق عاتقه كلّ هذا العبء ... أحسّ أنّ دموعاً ساخنةً قد تجمّعت في مآقيه ، لكنّه عاد وتذكّر أنّه رجلٌ. هكذا تقول له أمّه دائماً .ابتلع غصّة في حلقه ، وضع قدمه على الدرجة الأولى ، ثمّ الثانية والثالثة ، وهكذا دواليك ، في كلّ مرّة كان يتحامل على نفسه كأنّه ينتشل قدمه من رمال متحرّكة .
توقّف في أحد الطوابق يستردُّ بعضاً من أنفاسه ، كم بقي أمامه ؟ لا يعلم ، ربّما المسافة نفسها التي قطعها ، أو أكثر أو أقلّ ... لا يعرف شيئاً سوى أنّه جائعٌ ومتعبٌ .
ها هو يصل الآن بعد عناء ، ترتسم على قسماته إمارات الظفر ممزوجة بالألم ... نعم هذا هو الباب يعرفه جيّداً ، ستفتح له المرأة عينها ، تبادره بابتسامة حانية ، تقبّله، تنزع عنه حمله، حينها ينسى كل شيء إلا دفء حنانها ومودّتها : إنها أمّه!
يرفع يده كي يقرع الجرس ، تخذله يده ، تخور قواه ، يتهالك أرضاً تحت ثقل حقيبته المدرسية ....
*نُشرت في مجلة " جنى" خلال تشرين الثاني [4]2002[/