مـريم
كانت في الخامسة عشر من العمر حين قرر والدها تزويجها لأبن أخته. وفي ليلة الدخلة اختفت مريم.. كأن الأرض ابتلعتها؛ ولم يعثر لها على أثر!
في جزيرة نائية.. لا يتجاوز عدد سكانها خمسمائة إنسان، وفي مجتمع يعرف كل فرد فيه ماذا أكل الآخر على العشاء، تكثر الأقاويل كلما طرأ حدث لم تألفه الجزيرة، وتتوالد الإشاعات ويطلق الناس لألسنتهم العنان، وتفاوتت النعوت بحسب صلة القرابة بأهل الفتاة المختفية.
اختفت مريم وخلفت وراءها أكواما من القصص والحكايات وعلامة استفهام كبيرة. سلمى، الأخت الأصغر لمريم وحدها ظلت ساكتة، وإذا سُئلتْ لا تقول شيئا.. تبتسم فقط ولا تقول شيئا!
***
في اليوم الأول بعد اختفائها، خرج سكان الجزيرة كافة يبحثون عنها في الأودية والشعاب وعلى الشواطئ واسفح الجبال وقممها.. ولا أثر لمريم على الإطلاق. وفي اليوم الثاني كرر بعضهم البحث في الأماكن نفسها، وحين بلغ اليأس مداه توقفوا عن نبش الأرض، واكتفوا بالموت.. يفسر اختفائها. وظل السؤال يراوح في أذهان الناس: كيف ماتت؟! ومثلما تعددت الآراء حول طبيعة اختفائها، تباينت التكهنات حول أسباب موتها!
وذات فجر، استيقظ سكان الجزيرة الصغيرة على صراخ حمد، الأخ الأكبر لمريم، وهو يرفع عاليا خرقة بيضاء على طرف مجداف قاربه.
وأيقنوا أن البحر ابتلع مريم؛ فبكت الجزيرة! سلمى وحدها لم تبكِ، بل كانت تبتسم بخبث طفلة في العيون الباكية والدمع المنسكب على الخدود بلا انقطاع!