الفلسفة العمرانية وثنائية الصراع

الانسان والعالم ،الانسان والطبيعة ،الانسان ولقمة العيش ،
ورفاهيته .كل هذه الثنائيات فاعلة ومؤثرة ،ومن هذا المنطلق
نرى أن السفينة بونتي ليست قصة سفينة عابرة للأمواج والعقول
والأمسيات اللطيفة في ضوء القمر . السفينة بونتي وصلت الى جزر
السعادة حيث الرقص والفتيات الجميلات .ومن اللحظات الخالدة في
الفن وفي الواقع نظرة الضابط الوسيم الى جميلة الجميلات الحافلة
بتساؤلات عن المتعة الجسدية وملحقاتها :السفينة بونتي جسدت ثنائية
الصراع بين الحق والواجب القاسي ،ثنائية الصراع بين القوة المتمسكة
بحدود مصطنعة والقوة المتمسكة بحقها في الحياة الكريمة .
سفينة أخرى جسدت الثنائية نفسها ،السفينة تيتانك وثنائية الصراع
بين الاعتداد الشديد بالنفس والطبيعة القاسية التي لا ترحم .ثمة
فجوة كبيرة غرقت فيها التيتانك بعد أن سمحت للنساء بالنجاة
في مراكب صغيرة وبدائية .
ثناثيات ملأت التاريخ والحضارة .ثنائيات متجانسة ،متماثلة ،
متضادة، متناقضة، متكاملة ، لكن ثنائية الصراع تبقى أكثر
حرارة .ثنائية الصراع هذه نلقاها في أبعادها الفاقعة في
ثنائية شمشون ودليلة .هناك نرى صراع الحب والجمال والعطاء والأخذ
صراع القوة والعقل .وفي نهاية المطاف دمر شمشون الخاسر
الهيكل على رؤوس جميع المنتصرين .

إن الصراع محفوف بالفجيعة عبر التاريخ والجغرافيا والاجتماع البشري
وما زالت ثنائية الصراع أكثر رسوخا وصدقا من كل الثنائيات .
ومازالت ثنائية الصراع مفتوحة على نتائج متعددة : تغلب وقهر ،تغلب و انهزام
،تغلب وحوار ،مراوحة في حلبة الصراع .
ثنائية الصراع منذ الثنائية الأولى :ثنائية الطاعة والمعصية مرورا بثنائية
الانسان والله ،والانسان والطبيعة ، والانسان والإيمان ،والقوة والحق وصولا
الى ثنائية معاصرة لافتة :ثنائية الدين الإلاهي والدين الانساني مع تحولاتها
المتعددة :التكامل والتشابه والتماثل والتساوي والتضاد والتطور .

وهذه الثنائيات كلها تمر عبر غربال العمران .فما يتلاءم معه يرسخ
مشكلة ،درجة ،خطوة ،تحولا ،ومالا يتلاءم يمضي في متاه قد يقصر أو
يطول إلا أن الخروج منه لا يكون إلا في نبذه .
إن الثنائيات تملأ العالم حلاوة ومرارة وعبثا لكن ما الذي يمنح الثنائية
هويتها وشرعيتها وجدواها؟ تلك مسألة تختلف باختلاف الرغبات والإرادات
إلا أن أشعة الشمس لا تلبث أن تسطع والعمران بالمرصاد .