الصهيل الرمادي
لست أجزم بدقّةٍ متى انتبهتُ لوجود المروحة الكهربائيّة الزرقاء، كشيء فائض عن الحاجة ، في غرفتي .
ربّما لأنّني احتجتُ للمساحة التي تشغلها، لكي أعاود استخدام الطابعة مع بدء العام الدراسي وربّما لأنّني _ وبنباهة لا أعهدها في نفسي _ فهمتُ نظرة أمي المستهجنة كلّما دخلتْ غرفتي باستطلاع مقنّع بخفّة دمها الحبيبة ودهائها المستساغ ، وكأنّي بها تسأل :"شو بعدا عم تعمل هيده هون ؟"
المروحة الآن جاهزة للتخزين تدير لي ظهرها _ في موقف لئيم_ في كيس النايلون الشفّاف الأبيض ، فيروز تغنّي بعيداً " رجعت الشتويّة" ، صديقتي تتّصل بي ، صوتها مخنوق ، عرفت أنها تبكي حيث أنّي لم أفهم شيئاً ممّا قالته لي . حاولتُ تهدئتها دون جدوى ، قبل أن تغلق الخطّ سمعتها بالكاد :"ما تشغلي بالك فيّه ، بركه هيده كآبة الخريف " .
فتحتُ النافذة كملاذ إلى آفاق رحبة ، فعبر روحي الصوت_ دون مقّدّمات_ كاوياً كالجرح من مكان قريب في الجوار "رجعت الشتويّة ...ضلّ افتكر فيّه ...ضلّ افتكر فيّه ...رجعت الشتويّة ".
بدا حنيني بائساً كجثّة مجهولة تُوارى الثرى في بلدٍ غريبٍ ، وشيء كالربّابة يبثّ حزناً فذّاً ، عبقرياً في روحي. كانت العبارة الرماديّة تصهل في أذني "ضلّ افتكر فيه ...ضلّ افتكر فيه"
على شفير الاختناق اتصلتُ بصديقةٍ ، فثمة ما يفوق احتمالي... حاولتْ تهدئتي ...قلتُ :"ما تشغلي بالك فيّه ،بركه هيده كآبة الخريف "
وأنا أغلق الخطّ كان الصهيل الرمادي يتعالى في أذني ...بينما البرد يدكّ عظامي بضراوة!
رلى محمود بتكجي
أديبة وقاصة لبنانية
•من مجموعة لازالت في حيّز الإعداد ، كُتب في 30/10/2011]