شعر وليد بملل كبير ، خرج الى الشرفة ،جلس يتأمل الغيوم ، أشكال متنوعة ،بشيء من التبصر ،نرى فيها
رسوم ناس أو حيوانات أو حركات غامضة معبرة . ابتسم ،ماذا لو بصـّر الناس وقرأوا الطالع من خلال
استقراء الغيوم .المهم أن تجد طالبا ً يطلب ويدفع الثمن .
تزايد الملل به ، فنهض ،انتعل حذاءه وخرج عازما ً على شراء كتاب أو فيلم على قرص مدمج ،يراه في جهازه المنزلي
عدة مرات .
ما كاد يخرج من البناء حتى التقى جاره المتقاعد أبا نزار .عانقه الرجل بمحبة ،فارتاحت نفسه قليلا ً للحفاوة العفوية .فقال بود ٍ :
كيف حالك يا أبا نزار ؟أيها الجار الطيب ؟ .فقال أبو نزار : أعاني من صعوبات في الهضم .فاشتريت دواء .
ومد ّ يده بالدواء الى وليد ،فتناوله وهو يقول :أفضل الأدوية قلة الطعام .أتعرف ما سبب عسر الهضم .إدخال الطعام على الطعام .
فرد أبو نزار :أنت محق .لكنني تقاعدت .وأبقى في المنزل إذ لاعمل لي ،فآكل ،الطعام صار طريقة لتمضية الوقت .أفتش عن وصفات شهية ،أدونها ،أبوبها ،أعدّها .فلا بد أن ألتهمها .
ولكن هذا ليس بدواء ،إنه لتنظيف الأمعاء ...
فشد وليد على يده مودعا ً وهو يتمنى له الصحة الجيدة .وما كاد يسير حتى نهاية الشارع حتى كاد يصطدم
بامرأة مسرعة .فاعتذر منها ثم ابتسم قائلا ً ك
معلمتي ليلى ،أرجو عدم المؤاخذة
فنظرت اليه المرأة بتمعن وقالت :وليد ؟؟ الى أين ؟؟
- أفتش عن كتاب ...
فأطرقت لحظة كأنها تشاور نفسها ثم قالت : لدي كتاب رائع ،تعال معي ..
واندفعت المرأة سلئرة ،فلحق بها وهو يحاول الاعتذار .لكن المرأة خمنت أنه قد خجل من استعارة الكتاب .فقالت :ليس في الأمر أي ازعاج ...
ماهي إلا دقائق حتى وقفا أمام منزلها ،فتحت الباب فشاهدت ابنتها تحمل كوب ماء .فسألتها بلهجة حاسمة : لمن ؟؟
فقالت التاة :لجدي ،يريد أن يتناول دواء .
فتناولت منها كوب الماء ،وسارت الى غرفة الجلوس حيث يجلس والدها الذي رحب بها ورحب بوليد .وحاول أخذ كوب الماء من المعلمة ليلى لكنها أبعدت كوب الماء قائلة بلهجة صارمة : ماهذا ؟ دواء ؟؟
فمد يده بدواء ،نظرت اليه ليلى ثم شربت الماء قائلة :
لا تأخذه ،له مضاعفات جانبية قد تصل الى حد إحداث نوبة قلبية ..
صعق وليد من كلامها ،فمدت يدها بالدواء اليه قائلة :لكل دواء مخاطره .
فقال وليد وهو يتناول علبة الدواء :قلة الطعام دواء .
هزت رأسها موافقة ،وغابت لدقائق ثم عادت حاملة كتابا ً صغير الحجم لكن وليد كان يتأمل علبة الدواء وهو يرتجف .
فهزته وقالت :هاهو الكتاب ،إنه جيد ،احرص عليه ،وأعده عندما تنتهي من قراءته ،فأنا لا أفرط بكتاب .
شكرها وليد بحرارة وأخذ الكتاب ومضى يعدو .لقد كان الدواء الذي أثار حفيظة معلمته ليلى ،الدواء نفسه الذي شاهده مع أبي نزار .يا لها من مصادفة .
وصل الى مبنى سكنه ،طلب المصعد ثم اندفع يصعد الدرج بهمة وحيوية .وعندما وصل الى الطابق الخامس ،قرع الجرس وهو ممتفع الوجه .وما هي إلا دقائق خالها ساعة حتى انشق الباب وبدا أبو نزار وهو يبتسم برقة .فعانقه وليد
وهو يقول :الحمد لله ،الحمد لله .
فابتسم أبو نزار وأخرج علبة الدواء وقدمها لوليد .نظر اليه وليد بغبطة ثم كست ملامحه علامات التساؤل .فتناول علبة الدواء وفتحها فإذا هي فارغة .نظر الى أبي نزار فرأى ابتسامته عينها ولكن أبا نزار مال نحوه وهمس برقة : إنما أقصد أنني أقدر محبتك وصداقتك ..