كان رامي شابا ً عصريا ً ،حاز الشهادة العالية بتفوق .فكان من الطبيعي أن يشغل
مركزا ً مهما ً في شركة مقاولات .وسرعان ما لفت أنظار الجميع بحسن أخلاقه
وتفوقه ،ليس في عمله فحسب ،بل في جميع ما يستجد من مشاكل في الشركة .
ترقى رامي بسرعة الى رتبة نائب المدير العام ،براتب جيد ومخصصات لا يستهان
بها جراء ما يقترحه من مشاريع مربحة ،وما يجلبه من زبائن .
وما لبث رامي أن اهتم بفتاة جميلة ،بديعة الملامح ،نحيلة القوام ،ذكية وقديرة .
لاحقها فرحبت به .عيناها الخضراوان وبشاشة محياها الجميل ،لكنها تمنعت عليه
تمنع عصي بعيد المنال .
عرض عليها خطوبة وشقة وحياة هنيئة فارتاحت كلماتها ،وقبلت دعوته الى مطعم
قريب ،وهناك أفهمته صراحة أنها تعتز بحبه وباهتمامه بها ،لكنها لا تقبل خطوبة طويلة ،لسنة أو لسنتين إذ سيطرأ طارئ وتنتهي العلاقة ،فيكون الهدف الحقيقي اللهو
والعبث . فغلبه الحماس وعرض عليها الزواج آخر الشهر ورحلة شهر عسل كامل ،وعند عودتها تكون أخته مهندسة الديكور قد فرشت لهما الشقة على أحسن
وجه .وهكذا كان ...
تذكر رامي كل هذه الأمور وهو يقلـّب هاتف جمانة الخليوي ،وينظر بإمعان الى رقم
يتكرر ،إنه رقم السائق ،وبحنكة ومهارة وصل الى ذاكرة الهاتف ،واطلع على
رسائل ملتهبة أقلها من نوع "لا أدري ...أأنت الجنة بسعادتها أم النار بلهبها
وحرارتها ،ولكن ما أجمل النار اذا كانت جميلة لطيفة مثلك " ...
لم يصدق عينيه .لماذا ؟ لا يدري ...هز ّ رأسه بأسى ،لقد تعلم في المدارس
والجامعات علما ً غزيرا ً ،وحصـّل بمفرده علوما ً وآدابا ً مميزة ،لكن أمرا ً واحداً
لم يتعلمه :المرأة ،نفسيتها ،عواطفها ، نظرتها الى الرجل ،الى العائلة ،الى المجتمع ،
فهم العالم عملا ً وكسبا ً ومجدا ً ،وكل ما عدا ذلك من الهوامش ،إنه محتار ،قلق ،
يفكـّر ...
وفتح الباب ،ودخلت جمانة وهي تشد غلالة النوم الرقيقة بزنارها .نظرت اليه تلك
النظرة المثيرة وغمغمت بصوتها الذي ينضح أنوثة :ما بك ؟ ما زلت ساهرا ً ؟
أتريد شيئا ً ...؟