أيمن وهدان مبدع
عدد المساهمات : 2 تاريخ التسجيل : 12/06/2010
| موضوع: ترنيمة العودة الأخيرة السبت يونيو 12, 2010 2:11 am | |
| ترنيمة العودة الأخيرة أخيرا أسلمت روحك إلى فاطرها .. عندما يكتشف هذا الخبر تصرخ زوجتك لاطمة الخدود ... يهرول إليك أولادك لينكبوا فوقك مقبلين جثمانك .. يأتى الأصدقاء والجيران يقفون حول الجثمان ليغمضوا عينيك ويسجوا جسدك .. يناقشون فيما بينهم أمر دفنك .. يقول أحدهم بصوت متردد لماذا لايعود إلى بلدته ؟ ... لحظتها تقف زوجتك بثيابها السوداء صارخة فى الجميع .. لمن يعود؟ ...تخبرهم أنك بعت جميع ما لك هناك .. ستتزايد الأصوات متباينة فى الأراء .. فجأة يقف ابنك الأكبر ليخبرهم وصيتك بل قل أمنيتك الأخيرة بأن تدفن بجوار والديك ... يخرج أحد الأصدقاء هاتفه الجوال ليحضر تلك السيارة التى يطلقون عليها سيارة تكريم الموتى لتحملك إلى قريتك ... يرتبك الجميع وتسرع الأيدى والأرجل لتجهيزك للغسل ... ها أنت ترقد فوق المغسلة الخشبية عاريا كما بدأت ، يدارون عورتك بقطعة من القماش الكتانى .. تتساقط عليك المياه الفاترة ... تذكرك بأمك أيام الطفولة .. تمتد يد المغسل نحو جسدك تنزع الطين العرقى المتعلق بجسدك .. ربما نزعت مع الطين بعض ما جنته يدك .. تحاول أخراج لسانك لتبلله لكنك تكتشف أنك بلا إرادة .. تحس بيد المغسل تسد جميع فتحات جسدك بالقطن .. أنف .. أذن و..... ، ستشم العطر على جسدك والأيدى تلفك فى كفنك ، فى تلك اللحظة تتذكر ثياب عرسك .... تأتى السيارة .. يحملونك فوق الأعناق لتدخلها ذاهبة بك إلى مثواك الأخير ... تصعد زوجتك خلفك رغم رفض الجميع .. لايجد ابنك مفرا من الجلوس مع أمه بجوار جسدك ... يتبعك بضع سيارات وأتوبيس يحمل العاملين فى شركتك ... تهمس زوجتك فى أذنك معاتبة لك .. كم قلت لك لاتبيع كل شئ لك بالقرية .. تذكرك بكلمتها القرية مولدنا وقبرنا .. تسألك السؤال الذى رفضت أن تجيب عليه طيلة عمرك لماذا قطعت كل حبال العودة ؟ حتى نصيبك بقبر أبيك تنازلت عنه من أجل حفنة من المال .. تضع زوجتك يدها فوق صندوقك الخشبى صارخة فيك أين سنذهب بك ؟ .. تسقط فوق نعشك مغشيا عليها .. يحاول ابنك أعادة الوعى إليها .. تسترد زوجتك الوعى شيئا فشيئا .. تشهق زوجتك شهقة الحياة ... يسود الصمت السيارة يتخلله أنين البكاء .. يشعر ابنك بأن السيارة لا تتحرك .. وقتها فقط يتحقق من ملامح السائق ... تلك الملامح الحجرية التى أكتسبها من كثرة عشرته للموتى .. يرد السائق على سؤال ابنك بأن الطريق كل يوم على هذا الحال .. لجان أو حوادث ... يستحلفه ابنك بأن يجد حلا فلا بد أن تصل قبل صلاة الظهر .. يضع السائق ابتسامة عفوية على شفتيه المتشققتين حزنا مخبرا ابنك أنه سيسلك طريقا أخر بعيدا عن الزحام ... يعود الصمت كاسيا المكان ... تشعر برجفة الحساب .. تسأل نفسك ماذا سيكون جزاء أفعالك .. وعدا أم وعيدا ... تزداد رجفتك عندما تتخيل ضمة القبر ... عندما ترسم أمام عينيك صورة ناكر ونكير ... تصرخ بأعلى صوتك بأن الدنيا زائلة لكنك لن تسمع صدى صوتك.. ستسمع ابنك يبلغ البنوك بوفاتك ... ينجح السائق فى أختصار وقتك فوق الأرض ... تصل إلى قريتك يتبعك بضع سيارات وأتوبيس العمال ... تلك القرية التى رفضتها لأنها لاترضى طموحك بالمال الكثير .. فى تلك اللحظة تسمع أصوات أهل القرية مرة أخرى ... يستفسرون من السائق عن أسمك .. عندما يبلغهم السائق يرجعون إلى ذاكرتهم المدفونة منذ عقود ... يقول أكبرهم عمرا أسم أخيك .. وقتها يتذكرونك فقط .. تقف السيارة أمام القبور ويسأل ابنك أهل القرية عن مكان قبرك ... تسمع لحظتها صوتا من بين الجموع يذكرك بأشجار التوت ، الجميز ، العوم فى الترعة ، رائحة بيتك الطينى ، العرق المتبادل فى الملابس ، الكتف التى حملت معك نعش أبيك والدموع التى استحلفتك بعظام التربة كى تبقى ... صوت أخيك يخبرهم بأنك بلا قبر .. يصرخ فيه ابنك مستنكرا حكمه .. يخبره بأنه أخوك .. سيصمت ابنك ساقطة دموعه مكفرة عن خطاياك ... تعرف وقتها ما كنت تتمنى أن تعرفه .. كيف كانت تجلس أمك باكية لفراقك .. تستنشق رائحة ملابسك .. كم أرسلت إليك خطابات ترجو منك العودة .. لكن تلك الخطابات كانت تردإليها لتميت الأمل داخلها .. تعرف وصيتها الأخيرة.. التى كتبتها أنت بأنك لا تدفن جوارها حتى تشعر ألم الوحدة ... لن تجد الدموع كى تسترحم روح أمك .. تسمع ابنك يقبل يد أخيك لعل قلبه يحن على جثمانك .. لكن وصية أمك تقف حائلا لخروجك من السيارة .......... | |
|