موضوع: بحيـــــــــــــــــــرة الديموقراطية الخميس نوفمبر 05, 2009 11:06 am
بحيرة الديــــــــــــــــــــمقراطية
دار بينهما حوار غير مرتقب..إنها الصدفة وحدها رتبت ذلك اللقاء الخاطف. الزمن صباحا، المكان شاطئ هذه البحيرة التي تتوسط الغابة . حيث الشمس الدافئة و المياه الدافقة و النسيم رطب ينعش الصدور النخرة التي اعتلاها السأم و الغبار و السقم...من المحقق أن الأبصار ستحتفي بهذه الوليمة الغابية السخية التي تنبعث في سكينة و أناة من رحم تلك الطبيعة الجذابة. لا أدري كيف اطمأن أحدهما للآخر، هما من عالمين مختلفين كل الاختلاف .لكنهما في نهاية المطاف من فصيلة الحيوان و أنا متحقق حق اليقين بل عين اليقين أن هذه البطة و ذلك الثعبان لم يسمعا قط بكتاب الجاحظ الذي يدعى –كتاب الحيوان- حطت البطة في أبهة عند شاطئ البحيرة. أرهقها التحليق مع صويحباتها منذ ساعات الفجر الأولى..تقدمت في أدب جم من ذلك الثعبان. طبعا الحذر مطلوب..الثعبان خرج للتو من جحره المتواري عن العيون. راح يزحف في خيلاء و هو يلتمس ظلا يلوذ به. - إنني أشفق عليكم معشر الثعابين و الأفاعي. أنتم ملتصقون أبدا بهذه الأرض و حركتكم بطيئة و مملة- خاطبت البطة الثعبان في ثقة و روية. - ذلك خير لنا من التحليق عاليا..و إلا سوف نكون دون شك عرضة لسقوط مميت- رد الثعبان و هو يروي جوفه من المياه الطازجة. قالت البطة في ازدراء – أنت مقيد الحركة في هذه الجغرافيا الضيقة التي لا تكاد تغادرها إلى بقعة أخرى إلا بشق الأنفس . أما نحن فلنا حرية التنقل في الماء و الأرض و السماء مطمئنين- ضحك الثعبان قائلا – أية حرية؟ أنتم آخر من يجب عليه التحدث عن الحرية. إنكم تتنقلون في أسراب كالعبيد ..وحده قائد السرب من يفرض عليكم الوجهة التي تتخذونها. فتذعنون له صاغرين و لا يحق لكم المخالفة عن أمره- قاطعته البطة في حزم – انه النظام و الطاعة و الالتزام و الحفاظ على النوع..و إلا كانت حياتنا فوضى و صخب متواصلين و نمسي لقمة سائغة في أفواه الأعادي – تكلم الثعبان في اختيال – إنني أرفل في نعمة لم تتح لكم قط . أنا مملكة متنقلة إلى حيث أشاء. و أفعل ما أشاء، لا قائد يخطط لي حياتي .. أين أذهب . أين أبيت أو أي لون من الطعام ألتهم. ببساطة لا أطيق أن يحكمني أحد - - إننا نجد حريتنا في الطاعة و روح الفريق. اسمع جيدا ،نحن مجموعة ديمقراطية – قهقه الثعبان و قال مستخفا – أية ديمقراطية تلك؟ إنها العبودية و تقديس القائد و طاعته طاعة عمياء – - فاقد الشيء لا يعطيه ،أنت يا سيدي تجهل نظام جماعتنا و أسلوب سربنا في الحياة – ارتسم الذهول على الثعبان...أردفت البطة و هي ترنو إلى البحيرة المتألقة أبدا تحت الشمس- في سربنا نتداول على القيادة. و في كل مرة ننتخب قائدا جديدا نطيعه في الكبيرة و الصغيرة و شعارنا الخالد هو مقولة المفكر روسو (يجب على الجميع أن يتنازل من أجل الجميع )- و دون سابق إنذار..قصف الرعد و زمجرت البحيرة التي كانت للتو وادعة و أليفة. انتحبت الغيوم الكثيفة و أرسلت زخات مستمرة من المطر و انقطع على أثرها ذلك الحوار الأسطوري الذي يعيد نفسه في كل بيئة و في كل الأزمان. اضطربت البطة و تعكر مزاجها لهذا التغير المفاجئ للطقس. التوى الثعبان حول نفسه و استعاد مكره الحيواني مجددا...لقد لمعت فجأة فكرة خبيثة في خلده ( لم لا أقتنص هذه البطة التي فارقت سربها. أكيد هي متمردة على قائدها .. سأتخذها وجبة عشاء فاخرة). و ما كادت الفكرة تختمر جيدا في خياله الخصيب .تاك .تيك.تراك.تراك ..سمع صوت أعواد من القش تتكسر في رفق...ارتاع الثعبان و فزع بشدة. حلقت البطة هاربة إلى أجواء السماء الوسيعة..و سرعان ما كان الثعبان يضطرب خوفا وينتفض فرقا وسط شباك ذلك الصياد الحاذق.